حياكم الله
بحث
ِArabic
كافة التصنيفات
    القائمة Close
    العودة للكل

    تعرف على حركة إحياء التراث العربي

     إحياء التراث العربي

    الاهتمام بإحياء التراث العربي لم يكن ابتكارًا حديثًا من قبل المستشرقين الغربيين في القرون المتأخرة. بل، كانت الأجيال القديمة من العرب تُظهر اهتمامًا فائقًا بإعادة نشر الكتب القديمة، حيث قاموا بنسخها ووضعها في مكتبات المساجد وخزانات الكتب. إليكم أبرز المعلومات عن إحياء التراث العربي.

    إحياء التراث العربي

    يشير المقريزي في "الخطط" إلى وجود نسخ متعددة من أعمال مشهورة، كما كان لدى الفاطميين خزانة تحتوي على العديد من نسخ تاريخ الطبري. وفي هذا السياق، أظهر المستشرقون الغربيون اهتمامًا خاصًا في القرن السابع عشر بضبط نصوص وتحقيق مخطوطات التراث العربي. لكن مع مرور الوقت، تسلل الاهتمام بالتراث إلى نفوس دارسين شرقيين، الذين رأوا أنهم أحق بالاهتمام به من المستشرقين. هؤلاء الدارسون الشرقيون كرسوا وقتهم وجهدهم لتحقيق ونشر هذا التراث، مؤكدين بأنفسهم على دورهم الرئيسي في الحفاظ على تراثهم الثقافي.

    بهذا النهج، يبرز أن إحياء التراث والعناية به ليس مجرد ابتكار حديث، بل كانت هذه الممارسات جزءًا من تقاليد العرب الأقدمين الذين حرصوا على نسخ الكتب وإدراجها في مكتباتهم، مسهمين بشكل فعّال في تميز تراثهم الفكري والثقافي.

    فيما يخص جوانب اهتمام العرب بالتراث، كان النشر يشكل جزءًا أساسيًا حيث قاموا بضمان توفر المخطوطات. وعلى الجانب الآخر، ركزوا على شرح وتلخيص التراث، حيث قام عدد من العلماء بشرح أعمال بارزة، على سبيل المثال شرح ابن جني والآمدي لكتاب الحماسة لأبي تمام. وتجلى هذا الجهد في أكثر من عشرين شرحاً كما أشارت إليه كشف الظنون.

    كما قام العلماء بشرح كتاب سيبويه بأعداد كبيرة، ومن بينهم السيرافي والزمخشري وابن الحاجب. وفي مثل هذا السياق، قدم الزبيدي شرحاً لكتاب إحياء علوم الدين للغزالي، بينما أختصره أحمد بن محمد الغزالي وأبو العباس الموصلي والسيوطي. 

    في السياق العالمي، قاد اختراع الطباعة إلى نشر التراث العربي عالميًا. ظهرت أول مطبعة عربية في مدينة فانو الإيطالية عام 1514، حيث تم طبع أوائل الكتب فيها، بدايةً من سفر الزبور. تلتها مطبعة البندقية، حيث تم طبع القرآن الكريم للمرة الأولى، ولكن تعرضت للتدمير بسبب التعصب الديني. في عام 1547، تم طبع أول ترجمة إيطالية للقرآن.

    تعددت المطابع العربية في أوروبا بعد ذلك، حيث ظهرت في لندن وباريس وليدن وبطرسبورج. وكانت مطبعة بريل واحدة من أشهرها، حيث طبعت مئات الكتب، وصارت تحظى بشهرة تشبه مطبعة بولاق المصرية.

    حركة إحياء التراث في العالم الإسلامي

    دخلت طباعة الكتب إلى العالم الإسلامي في القرن الثامن عشر، حيث ظهرت في بعض الدول الإسلامية مثل الدولة العثمانية، إيران، الهند، لبنان، سوريا، ومصر. وقد كانت هذه الفترة مرتبطة بنشاط حركة إحياء التراث ونشره، حيث ساهمت طباعة الكتب في تعزيز انتشار المعرفة والثقافة في هذه المناطق.

    في تركيا 

    بعد فتوى عبد الله أفندي في عام 1716، بدأ العثمانيون طباعة كتب الحكمة والطب واللغة والتاريخ، مع استثناء الكتب الدينية. تمت الموافقة على طباعتها بعد فتوى أخرى من مشيخة الإسلام. أحد أبرز المطابع العثمانية التي أهتمت بالتراث هي مطبعة الجوائب لأحمد فارس الشدياق التي أصدرت صحيفة الجوائب العربية، وكذلك المطبعة العامرة التي طبعت الكليات لأبي البقاء الكفوي، بما في ذلك صحيح مسلم في ثمانية أجزاء.

    على الرغم من تضاؤل حركة نشر الكتب التراثية في تركيا بعد إلغاء الخلافة من قبل أتاتورك، عادت بشكل تدريجي بعد عقود قليلة، وكانت أعمال الدكتور فؤاد سزكين من بين الرواد في هذا المجال.

    لبنان

    بيروت كانت من بين أوائل البلدان العربية التي عرفت الطباعة، حيث بدأت بواسطة الرهبان الكاثوليك والأرثوذكس. أحد أقدم مطابعها كانت مطبعة فرحيا التي بدأت بالحروف السريانية قبل أن تنتقل إلى اللغة العربية، وكان اهتمامها رئيسيًا بالكتب الدينية. كما ظهرت مطبعة الشوير التي كانت تصدر العديد من الكتب الدينية أيضًا، وكذلك مطبعة القديس جاورجيوس في بيروت عام 1753، التي طبعت العديد من كتب اللغة والأدب.

    في القرن التالي، ظهرت المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين، ولها فضل كبير في نشر أمهات التراث العربي، منها "النوادر في اللغة" لأبي زيد الأنصاري، و "تهذيب الألفاظ" للتبريزي بتحقيق لويس شيخو. في العصر الحديث، تعددت دور النشر في بيروت، وكانت دار صادر من بين الأشهر، حيث نشرت العديد من كتب التراث، ومن بين أعمالها "لسان العرب" لابن منظور، و "تاج العروس" للزبيدي، والتي اعتمدت في طبعهما على طبعة بولاق. كما تألقت دور النشر اللبنانية مثل دار الفكر ودار الثقافة بإشراف الدكتور إحسان عباس.

    في سوريا

    ظهرت الطباعة في سوريا في وقت مبكر متأثرة بلبنان المجاورة، لكن مسار النشر اتخذ وجهة عربية إسلامية، ولم يتأثر بالصبغة المسيحية كما كان الحال في بداية الطباعة في لبنان. شهدت سوريا نشاطًا كبيرًا في حركة نشر التراث، حيث ساهمت عدة عوامل في تحفيز هذه الحركة.

    من بين هذه العوامل كان وجود المكتبة الظاهرية في دمشق، التي تُعد واحدة من أكبر خزائن المخطوطات في العالم. كما ساهم إنشاء المجمع العلمي العربي في مفتتح القرن الماضي في بث روح التحفيز لبث التراث وتحقيقه. وكان لوفرة العلماء الأثر الكبير، حيث كان لديهم مساهمات قيمة في توثيق التراث.

    تعددت المطابع في دمشق وحلب، وكانت من بينها مطبعة الترقي التي طبعت العديد من الكتب التراثية. ولكن حركة النشر العلمي الدقيق لم تشق طريقها إلا مع إنشاء المجمع العلمي، الذي أسهم في إصدار العديد من كتب التراث المرتبطة باللغة والأدب والتاريخ، مثل "تاريخ دمشق" لابن عساكر، و "الأمثال" لأبي عكرمة الضبي، و "التعازي والمراثي". في السنوات الأخيرة، ظهرت بعض دور النشر السورية مثل المكتب الإسلامي ومؤسسة الرسالة التي نشرت أعمالًا هامة من التراث العربي.

    في مصر

    مصر تعد من بين أوائل البلدان العربية التي عرفت الطباعة، حيث جاءت أوائل مطابعها مع حملة نابليون خلال الحملة الفرنسية. ظهرت مطبعة بولاق في عام 1821 م، وتُعتبر واحدة من أشهر المطابع العربية التي اهتمت بالتراث. وقد كانت إنتاجية مطبعة بولاق وافرة، حيث قامت بإخراج مئات الآلاف من الكتب التراثية في مختلف المجالات.

    نشاط مطبعة بولاق كان مرتبطًا بالحياة الثقافية في مصر ومواكب للتطورات الثقافية والفكرية في تلك الفترة. وكانت طبعاتها من أصول التراث العربي وسيلة فعالة لمواجهة التحديات الثقافية والدعوات إلى التغيير اللغوي. بين أشهر مؤلفاتها "لسان العرب" لابن منظور، و"العقد الفريد" لابن عبد ربه، و"فتح الباري" لابن حجر، و"وفيات الأعيان" لابن خلكان، و"الفتوحات المكية" لابن عربي، و"الأغاني" للأصبهاني، والعديد من الآخرين.

    مع منتصف القرن، ظهرت عدة مطابع أهلية في القاهرة، مثل مطبعة الميمية التي اشتهرت بنشر الموسوعات، ومطبعة عيسى البابي الحلبي التي أصبحت فيما بعد دار إحياء التراث العربي. وقد برزت أيضًا دار الكتب ودار الوثائق المصرية، التي نشرت العديد من كتب التراث في السنوات الأخيرة.

    مراحل نشر التراث وتطوره

    المرحلة الأولى:

     التي استمرت من القرن الثامن عشر حتى العقود الأولى من القرن التاسع عشر، كانت تتميز بإخراج النص بشكل صحيح مع ترجمة مختصرة للمؤلف ووضع فهرس للموضوعات بشكل عام.

    أما المرحلة الثانية: 

    التي تمتد من النصف الثاني للقرن التاسع حتى مطلع القرن العشرين، فكانت تبرز بالاهتمام بذكر المخطوطات التي تم طبع الكتاب عنها ووصفها، ولكن بشكل مختصر دون توضيح تفاصيل هامة كتاريخ النشر ومكانه ونوع الحبر والخط.

    يمكن تلخيص تلك المراحل بتطور تدريجي في توثيق ونشر التراث في العالم الإسلامي، حيث زاد الاهتمام بالتفاصيل في المراحل اللاحقة.

    المرحلة الثالثة: 

    في العقود الأولى من القرن العشرين، تم تسمية هذه المرحلة بـ "مرحلة النضج والكمال"، حيث تقوم على استكمال الأسباب العلمية للنشر، مثل جمع المخطوطات المتنوعة والمقارنة بينها، واعتبارها أساسًا وأصلاً، مع إضافة تعليقات وشروح، وإعداد فهارس تحليلية وكشافات.

    يظهر في هذه المرحلة تأثير واضح من المحققين بمستوى عليا من التأثر بالمناهج الحديثة في تحقيق النصوص، حتى أصبحت علمًا يُدرس في الجامعات. من الملاحظ أن المستشرق برجستراسر قد قدم محاضرات في الجامعة المصرية، وكان لإنشاء المجمع العلمي بدمشق دور غير منكور في تلك الفترة.

    أما المرحلة الرابعة: 

    فتمتد من منتصف القرن وصولاً إلى العصر الراهن، وشهدت ظهور محققين بارعين مثل: محمود محمد شاكر وعبد السلام هارون ومحمود الطناحي وفؤاد سزكين وعواد بشار معروف، الذين وضعوا قواعد علم التحقيق وبلغت تحقيقاتهم درجة عالية من الدقة والإتقان، تفوقت فيها دقة وإتقان المستشرقين.


    ختاما الحديث عن إحياء التراث العربي، بدأت رحلة إحياء ونشر التراث العربي على يد المستشرقين الأوروبيين في القرن السابع عشر، ثم انتقلت في القرن التالي إلى العالم الإسلامي. خلال هذه الرحلة، شهدت مراحل متعددة، وكل مرحلة كانت تتميز بخصائصها الفريدة، ووصلت هذه الجهود إلى مرحلة النضج والاكتمال من خلال التحقيق والنشر.

    التعليقات
    اترك تعليقاَ اغلاق