قبل الدخول في موضوع اليوم وهو عظماء الصحابة والتابعين، يتعين علينا فهم مفهوم الصحابي بدقة. هناك تفاوت في الآراء حول من يستحق أن يُعتبر صحابيًا، فقد ذهب بعض العلماء إلى أن صفة الصحابي تنطبق على من رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى لو كانت لحظة. بينما أصر آخرون على أن يكون الفرد قد رافق النبي لمدة تقرب من سنة، أو شارك في غزوة معه. هذا التفاوت في التعريف يظهر التعقيد المرتبط بفهم من هم الصحابة ومتى يحققون هذا اللقب، وفيما يلي سنتعرف على بعض الصحابة ومالهم من قصص وسير رائعة ملهمة.
عظماء الصحابة والتابعين
من هم عظماء الصحابة والتابعين؟ سنتعرف عليهم في السطور التالية/
مؤاخاة عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع
يروى بأنّ عبد الرحمن بن عوف، الصحابي الجليل، عندما هاجر إلى المدينة، أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - عقدًا بينه وبين صاحبه سعد بن الربيع. وفي ذلك اللقاء، أعلن له سعد استعداده لتنازل نصف ماله وزواجه من إحدى زوجاته. إلا أن ردّ عبد الرحمن كان بسيطًا ورائعًا: "بارك الله لك في مالك وأهلك؛ بل دلّني على السوق". ويُشار إلى أنه بعد هذا اللقاء، أصبح عبد الرحمن تاجرًا عظيمًا، حيث كان يتصدق بمئات الآلاف من الدنانير على جيوش المسلمين وفقرائهم.
أبو الدحداح ونخلة الجنة
تدور قصة خلاف بين يتيم وصاحب نخلة من عظماء الصحابة والتابعين، حيث كان اليتيم يرغب في بناء سور حول شجرته، وتعثرت نيته بسبب موقع النخلة. استمع النبي صلى الله عليه وسلم لقصة اليتيم وطلب من الرجل التنازل عن نخلته أو تقديم بديل، لكن الرجل رفض الاقتراحات. رغم تصاعد الخلاف، قدّم النبي إمكانية الحصول على نخلة في الجنة كبديل، ولكن الرجل أصر على رفض العروض. في النهاية، لمّا رأى رجلًا آخر يتطوع للتنازل عن بستانه لليتيم مقابل نخلة في الجنة، تأكدت كرم الرجل الجدير بالمثال في نظر النبي.
شجاعة أبي بكر في الدفاع عن النبي
أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- كان يتمتع بمواقف شجاعة وإيمان عالٍ في الدفاع عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. في إحدى المواقف، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وتقدم عقبة بن أبي معيط، وهو من كفار مكة، فبادر بالتحرّش والاعتداء على النبي. أقدم أبو بكر الصديق بشجاعة ليدافع عن رسول الله، وقال: "أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟ وقد جاءكم بالبيّنات من ربكم".
في غزوة بدر، كان أبو بكر رفيقًا ملازمًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يخشى على حياته. أظهر تفانيًا كبيرًا في الدفاع عنه، حاملاً سيفه للتصدي للهجمات وحماية النبي.
وفي إحدى مواقف أخرى، واجهت قريش رسول الله بالتجاذب والتهكم. كان أبو بكر الصديق الوحيد الذي تقدم ليدافع عن النبي، قائلًا لهم: "ويلكم، أتقتلون رجلاً أن يقول ربّي الله".
أثناء استفسار النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أشجع الناس، أشاد بأبو بكر وأعطاه الأفضلية، وحتى ذكر بعض مواقفه البطولية.
تأكيدًا على شجاعته وتفانيه، فإنه حاول الدفاع عن رسوله والدفاع عن التوحيد رغم التحديات والمعارضة.
شهامة عثمان بن طلحة
كان لعثمان بن طلحة -رضي الله عنه- موقف عظيم يُبرز شهامته ورجولته، حتى قبل إسلامه. عندما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بالهجرة إلى المدينة، هاجر أبو سلمة مصطحبًا زوجته وابنه الصغير. ولكن قبيلة أم سلمة منعتها من الرحيل مع زوجها، فأخذوها إلى ديارهم واستخلصوا ابنها الصغير منها كردّ على ما فعله أهلها.
ظلت أم سلمة -رضي الله عنها- حزينة تشكو فراق زوجها وابنها لفترة، حتى قام أهلها بتركها تسعى إلى زوجها. وفي الطريق، رأت عثمان بن طلحة وهو آنذاك لم يسلم بعد. بدأ يسألها عن وجهتها وهل معها أحد. عندما أخبرته أنها تسعى للحاق بزوجها وأنها معها إلّا الله وابنها الصغير، قرر عثمان مرافقتها وتوجيهها إلى مكان زوجها.
هذا الموقف أظهر شهامة عثمان بن طلحة ورقي أخلاقه، حتى وهو لم يكن مسلمًا في تلك الفترة. يُعدّ هذا الموقف من الأحداث التي سُلط الضوء على شخصيته. فيما بعد، أسلم -رضي الله عنه- وهاجر إلى المدينة. كان مفتاح الكعبة بيده، وعند فتح مكة أعطاه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن رسول الله أعاده إليه وأكرمه وعاظ بأن تظل هذه المهمة خاصة ببني شيبة، قبيلة عثمان.
نيل أم عمارة شرف الدفاع عن النبي
أم عمارة -رضي الله عنها- كانت من الصحابيات الشجاعات اللاتي شاركن في المعارك والغزوات. سجلت تاريخها موقفًا بارزًا خلال معركة أحد، عندما اشتدت المعركة وتجمع المشركون حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهدف قتله. تقدم رجل يُدعى ابن قميئة يريد قتل النبي، وفي هذا السياق وقفت أم عمارة -رضي الله عنها- في طريقه مع مصعب بن عمير -رضي الله عنه-.
رغم استشهاد مصعب بن عمير في تلك اللحظة، استمرت أم عمارة في الوقوف ومواجهة الكافر الذي ضربها بقوة في عنقها. ولكنها ظلت قوية وثابتة في دفاعها، ورصد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلك اللحظات وهي تتعرض لعدة جروح.
ابنها حضر الموقف وطلب منها أن تصبر، ودعا لهم بالبركة، وعندما سمعت أم عمارة صوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، طلبت منه الدعاء لهم بالمرافقة في الجنة. رد النبي على طلبها وكانت فرحتها عظيمة.
عندما عادت إلى المدينة، أرادت المشاركة مجددًا في الغزوات عندما دعاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكنها لم تستطع ذلك بسبب جراحها الشديدة. ظلت حولها نساء المسلمين يعالجن جراحها، وعندما سأل عنها رسول الله بعد أيام، أُطيِّبت له عن حالتها وسلامتها.
امتناع عثمان بن عفان عن الطواف حول الكعبة قبل النبي
كان عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- رسولًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى قريش قبيل صلح الحديبية. وفي تلك الفترة، بينما مكث رسول الله وأصحابه في الحديبية، أُرسِلَ عثمان ليُخبر قريش أنهم جاؤوا لأداء العمرة دون الرغبة في المواجهة القتالية. كانت مهمته أيضًا تهدئة المسلمين الذين ما زالوا في مكة وإعلامهم بقرب النصر وظهور دين الله في مكة.
قام عثمان بما طُلِبَ منه، وبينما كان في مكة لبضعة أيام، جاء سُهيل بن عمرو إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتم الصلح. بعض الصحابة اقترحوا أن عثمان قد قام بالطواف خلال وجوده في مكة، لكن رد رسول الله أكد أن عثمان لن يطوف، وأن المسلمين لن يطافوا بالبيت ما داموا في الحديبية.
عندما عاد عثمان إلى المسلمين، أُخبر بما قاله الصحابة حول احتمال طوافه، وكيف كان جواب رسول الله. رد عثمان على هذا القول بأنه لو مكث في مكة لسنة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- مستمر في الحديبية، لن يطوف بالبيت حتى يطوف به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وقد دعته قريش للطواف، ولكنه رفض القدوم عندما توجه إليهم.
تنازع الصحابة رغبةً في تربية أمامة بنت حمزة
إن عظماء الصحابة والتابعين الكرام كانوا روادًا في فعل الخيرات وأعمال البر، ومن تلك الأعمال الجليلة كفالة الأيتام. عندما أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخروج من مكة لأداء عمرة القضاء، ذهبت أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب، اليتيمة التي قتل ولدها حمزة -رضي الله عنه- في غزوة أحد. وكانت تنادي قائلة: "يا عم يا عم". أُثيرت مسألة حضانتها وتربيتها بين ثلاثة من الصحابة الكرام، هم علي بن أبي طالب، وجعفر بن أبي طالب، و
زيد بن حارثة -رضي الله عنهم-. علي زعم أنها ابنة عمه، وجعفر أكد أنها ابنة عمه أيضًا وأن زوجته ستكون خالتها، فيما قال زيد إنها ابنة أخيه من الرضاعة.
قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن تُكفَل من قِبَل جعفر؛ لأن زوجته تكون خالتها والخالة لها مكانة الأم. قدم رسول الله حكمه بطريقة تلين قلوب الصحابة بكلمات لطيفة. كان هذا القرار أسهل على الحال من قرارات علي وزيد. فقد كان عظماء الصحابة والتابعين الكرام، رغم قلة أموالهم، يتنافسون بشغف لنيل شرف رعاية اليتيم والاستحقاق للأجر الإلهي الذي يترتب على ذلك.